السبت، 6 فبراير 2010

شعر قضاة الأندلس من الفتح حتّى نهاية عصر ملوك الطوائف دراسة نقديّة تحليليّة

الملخص

لقدْ عنونتُ أطروحتي هذه بشعرِ قضاةِ الأندلسِ منَ الفتحِ حتى نهايةِ عصرِ ملوكِ الطوائفِ، وفيها خضعَ لنطاقِ بحثي كلُّ منْ تولّى مهنةَ القضاءِ في بلادِ الأندلسِ، سواءٌ أكانَ أندلسيَّ المولدِ أم غيرَ ذلك، وذلكَ في الفترةِ الممتدةِ منَ الفتحِ الإسلاميِّ للأندلسِ عامَ اثنينِ وتسعينَ للهجرةِ (92) حتى نهايةِ عصرِ دولِ ملوكِ الطوائفِ عامَ أربعةٍ وثمانينَ وأربعِمائةٍ للهجرة (484) والتي امتدّتْ إلى ما يقاربُ منْ نصفِ الحِقْبَةِ التاريخيّةِ لحضارةِ الأندلسِ.

وقد جاءَ بحثي موزعا في ثلاثةِ فصولٍ، فكانَ الفصلُ الأوّلُ بعنوانِ "خُطّة القضاءِ في الأندلسِ"، وقدْ قمتُ بجمعِ المادّةِ الدراسيّةِ من مختلفِ كتبِ الفقهِ والحديثِ والأدبِ والتاريخِ والتراجمِ، فكانتْ خُطّةُ القضاءِ في الأندلسِ من أعظمِ الخُططِ عندَ الخاصّةِ والعامّةِ لتعلّقها بأمورِ الدينِ والدنيا، وتحدّثتُ فيهِ عن مفهومِ القضاءِ، ومشروعيّتِه، وما يشترطُ في القاضي من عقلٍ وبلوغٍ وإسلامٍ وحريّةٍ وذكورةٍ وعدالةٍ وعلمٍ بالأحكامِ الشرعيّةِ وسلامةِ حواسٍ، وتعدّدتِ الجهاتُ التي تتولّى مسؤوليّةَ تعيينِهم كالحاكم أو نائبِه، وأمراءِ الأقاليمِ وقضاتِها، وأهلِ الشورى، كما تنوّعتِ اختصاصاتُهم ما بينَ قضائيّةٍ كالنظرِ في الجراحِ وقضايا الأحداثِ والمناكحِ، والمواريثِ، وغيرِ قضائيّةٍ، كالنظرِ في أموالِ اليتامى، والأحباسِِ، كما اتّخذ كثير منهم له بعضَ الأعوانِ والمساعدينَ، كالكاتبِ، والحاجبِ، والقَوَمَةِ، والأمناءِ، والشيوخِ، وقد كانت حياةُ القضاةِ مثالا في الزهدِ والأمانةِ والبساطةِ، ونجدُ لهم كذلكَ ألقابا متعدّدةً، كقاضي الجندِ، والمسدِّدِ، وقاضي الجماعةِ، وقاضي القضاةِ، وخليفةِ القاضي، وأمّا مذاهبُهم الفقهيّةُ، فلم يكنْ لديهم في البدايةِ مذهبٌ مشترطٌ ومتّبعٌ، وبقي الحال كذلك حتى عهدِ الأميرِ هشامِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ معاويةَ الداخلِ عامَ سبعينَ ومائةٍ للهجرة، فألزمَهم جميعا بمذهبِ مالكٍ، وقد حَظِيَ القضاةُ بِوَفْرَةٍ من العلومِ والمعارفِ، فكانوا من طبقةِ العلماءِ، وقليلٌ منهم من تخلو حياتُه من الرحلاتِ العلميّةِ، وأنهيتُه بالحديثِ عن خصوصيّاتِ القضاءِ من حيثُ وقتُه ومَجلِسُه، وديوانُه، واستقلاليّتُه.

أمّا الفصلُ الثاني فقد جاءَ بعنوانِ (الأغراض الشعريّة لقضاةِ الأندلسِ)، وفيه بذلتُ جاهدا أن أحصيَ جميعَ أشعارِهم، وأنقّبَ عنها في بطونِ أمّهاتِ الكتبِ، فكانَ عددُ قضاةِ الأندلسِ كبيرا جدا، وقلّةٌ منهم منِ استطعنا العثورَ له على مخلّفاتٍ شعريّةٍ، وهم لا يتجاوزونَ الستّةَ عشَرَ، وقد قمتُ بدراسةِ هذه الأشعارِ دراسةً تحليليّةً مستفيدا من المناهجِ الأدبيّةِ المختلفةِ، وصنّفت أغراضَهم الشعريّةَ في ثلاثةَ عشَرَ غرضا وهي: الوصفُ، وجاءَ على شكلِ مقطوعاتٍ شعريّةٍ حفَلت بالصورةِ الفنيّةِ، غيرَ أنّها لم تقترنْ بفنونِ شعرِ المتعةِ الحسيّةِ، وغرضُ الشوقِ والحنينِ، الذي شغلَ حيّزا واضحا في أشعارِهم، ، فعبّروا عن طولِ غربتِهم وشدةِ شوقِهم للأهلِ والأحبابِ بعواطفَ حارّةٍ وصادقةٍ، وغرضُ المديحِ، الذي دفعَهم إليه حسنُ النيّةِ والشعورِ، وتوسمُ الخيرِ في الممدوحِ، فخلعوا عليه ألقابا علميّةً وإسلاميّةً، وأمّا غرضُ الهجاءِ فكانَ على نوعينِ: أهاجٍ اجتماعيّةٍ تذمُّ أحوالَ الناسِ وسوءَ معتقداتِهم، وابتعادَهم عن روحِ الإسلامِ، وأهاجٍ علميّةٍ تدعو إلى العلمِ والاجتهادِ، وتذمُّ أهلَ الجهلِ والتقليدِ، وغرضُ الفخرِ، وتمثّلَ في الاعتزازِ بما يكتسبُه الإنسانُ من علومٍ ومعارفَ، وكانَ غرضُ الرثاءِ يثمثّلُ في رثاءِ الأبناءِ، فقد لمسنا صدقَ العاطفةِ وحرارتِها عندَ القاضي أبي الوليدِ الباجي، وكانَ غرضُ الشكوى بدافعِ الغَيرةِ، والحرصِ على الدينِ ومحارمِه، فساءَهم ما آلَ إليه حالُ المسلمينَ من معصيةٍ وضلالٍ، وقد كانَ غرضُ الغزلِ نَزْرَا ولا ينبُعُ من عاطفةٍ أو وجدانٍ، ولم نعثرْ على أشعارٍ في غرضِ الاستصراخِ سوى مقطوعةٍ واحدةٍ، بينما أكثروا من غرضِ العلمِ، وأجادوا فيه، وتنوعت أشعارُهم ما بينَ القصيدةِ والمقطوعةِ، ولعلَّ أكثرَ ما نظمَ فيه القضاةُ كانَ في غرضِ الزهدِ، فحقّروا من قيمةِ الدنيا أمامَ الآخرةِ، وذكّروا بالموتِ والفناءِ، ودعوا إلى العبادةِ والانقطاعِ إلى الله تعالى، واستلهموا معانيَ التوبةِ والحمدِ والشكرِ، وأمّا غرضُ الإخوانيّاتِ والمراسلاتِ، فكانَ في موضوعِ الاستعارةِ، والنقدِ، والقضاءِ، والفكاهةِ، والهديةِ، والعلمِ، والاجتماعياتِ، وأخيرا كانَ غرضُ الأخلاقِ الذي ما برحَ قضاتُنا يستلهمونَه ويضمّنونَه سائرَ الأغراضِ تارةً، ويستقلّونَ به تارةً أخرى.

وكانَ الفصلُ الثالثُ بعنوانِ (الخصائص الفنيّة لشعرِ قضاةِ الأندلسِ)، وفي ميدانِ البحثِ عن خصائصِ أشعارِهم الفنيّةِ، كانَ بناؤها اللغويُّ سهلا وبعيدا عن التكلّفِ، حتى أنّ أسلوبَهم في كثيرٍ من الأحيانِ اقتربَ من لغةِ النثرِ، وقد أثّرت الحضارةُ في كثيرٍ من مفرداتِها، كما كثُرَ لديهم أسلوبُ الطباقِ، فحقّقوا به تقويةَ الفكرةِ والمعنى، والتعبيرَ عن حالةِ الاضطرابِ لديهم من جراءِ واقعِ الحياةِ وتعقيداتِها، وقد جاءت الجملُ الخبريّةُ مؤَكَّدةً بالأسماءِ والحروفِ، ممّا عكسَ فصلَ القولِ والخطابِ لديهم، وأعطى الكلامَ نوعا منَ الحجّةِ والبرهانِ، كما استخدموا الجملَ الإنشائيّةَ الطلبيّةَ بكثرةٍ، وخرجت إلى معاني متعدّدةٍ، فأضْفَتْ على المعنى والأسلوبِ القوةَ والبيانَ، كما كان لديهم تأثّرٌ واضحٌ وكبيرٌ بالقرآنِ الكريمِ، وذلكَ من حيثُ القَصَصُ والمعاني والألفاظُ، وهذا دليلٌ على سَعةِ علومِهم، وعنايتِهم بالدينِ الإسلامي، وكذلكَ تحدّثتُ عن بناءِ الصورةِ الفنيّةِ، فتناولتُ التشبيهَ المفردَ، والتمثيليَّ والضمنيَّ، والاستعارةَ والمجازَ والكنايةَ، وقد عكستْ صورُهم الفنيّةُ حالتَهم النفسيّةَ، وتلوّنت بأحاسيسِها وعواطفِها، ، وذلكَ بحسبِ التعريفاتِ والاهتماماتِ التي يؤمنونَ بها، كما درستُ البناءَ الموسيقيَّ لتلكَ الأشعارِ، وتناولتُ عدّةَ جوانبَ في ذلكَ، كالجناسِ، والترديدِ، والتدويرِ، والتصريعِ، وشكلِ القصيدةِ وأسلوبِها، والوزنِ الشعريِّ، والقافيةِ.

وقد ألحقتُ تلكَ الفصولِ بجميعِ أشعارِ القضاةِ التي استطعتُ جمعَها، ورتبّتُها ترتيبا أبتثيّا حسبَ حرفِ الرويِّ، كما وثّقتُ تلكَ الأشعارَ من مصادرِها التي وردت فيها، وأشرتُ إلى بعضِ التغييراتِ التي أدخلتُها على بعضِ الأبياتِ لتفادي الخطأَ في النقلِ والطباعةِ، وليستقيمَ الوزنُ الشعريُّ على بحورِ الخليل.


النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق