الأربعاء، 10 فبراير 2010

الدرس الصوتي في التراث البلاغي العربي حتى نهاية القرن الخامس الهجري

يتناولُ هذا البحثُ دراسةً لغويةً أدبيةً، تحاولُ معالجةَ قضيةٍ طريفةٍ جديدةٍ، هي : "الدرسُ الصوتيُّ في التُّراثِ البلاغيِّ العربيَّ حتى نهايةِ القرنِ الخامسِ الهِجْرِيّ".

وينبثق هذا البحث، من منطلق النَّظر في مدى إمكانية علم الأصوات، في المساهمة بدراسة بعض القضايا البلاغية في العربية، وتحليلها، تمهيداً لإيجاد التفسير والتعليل لها، ووصولاً إلى جلاءِ العناصرِ الجماليةِ الكامنة فيها.

وتنقسمُ هذه الدراسةُ، بَعْدِ المقدمةِ التي آسْتُهلَّتْ بها، والخاتمةِ التي جاءَتْ نهايةً لها، على ثلاثةِ أبوابٍ رئيسةٍ :

* وقد خصَّصْتُ البابَ الأوَّلَ، الذي جاءَ في فصلين، لدراسةِ نَشأَةِ الدَّرْسَيْن الصوتي والبلاغي وتطوَّرِهما عند العرب حتى القرنِ الخامس الهجري. وفي هذين الفصلين، ألقيْتُ الضَّوْءَ على مسيرةِ هذين العلمين، مُنْذُ بزوغِ فَجْرهما، في تاريخ الفكر العربي، حتى القرنِ الخامس الهجري، وهي الفترةُ التي تألَّقَ فيها هذان العِلْمان، ونَضِجا على يَدِ عباقرةِ عُلماءِ اللغةِ والأدباء العرب، أمثال : الخليل بن أحمد، وسيبويه، وابن جِنّي، والجاحظ، وابن المعتز، والمُبرِّد، وأبي هلال العسكري، وابن رشيق القيرواني، وابن سنان، وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم.

* وفي الباب الثاني، الذي جاء مُشْتملاً على ثلاثةِ فُصول، عَرضْتُ، بالدراسة والتحليل، كتابَ ابنِ سنان "سر الفصاحة"، باعتباره الكتابَ البلاغيَّ المتميِّزَ الذي جمعَ فيه صاحبُه، في مقدمتهِ النظرية، جوانبَ موجزةً من معطياتِ علم الأصوات، ثم انتقلَ، في مادتِه التطبيقية، إلى توظيف تلك المعطيات في مجال الدرس البلاغي العربي، ما وسعته الطاقة، وأمكنه الجهد.

* أما الباب الأخير، وهو الباب الرئيس في هذه الدراسة، فقد خصصته لدراسة الظواهر الصوتية في الموضوعات البلاغية.

وقد جاء هذا الباب مكوناً من ثلاثة فصول :

* تناولت، في أولها، الشروطَ التي وضعها البلاغيون، ومعهم نفرٌ لا يستهان به من اللغويين، للفصاحة في اللفظة المفردة؛ أي في اللفظة المنعزلة عن غيرها، وعن السياق اللغوي الذي يمكن أن ترد فيه، وهي شروطٌ تؤدي، في مجموعها، إلى بناء اللفظة العربية صرفياً على نحو جمالي متناسق يبعدها، شَكْلاً ومضموناً، عن كل ما يمكن أن يشوِّهَها، أو يخدش جمالها.

* وفي الفصل الثاني، تناولت الشروط التي وضعها البلاغيون أيضاً للفصاحة في الألفاظ المؤلفة؛ أي في الألفاظ المقترنة معاً في بناء لغوي تركيبي. وهي شروط تؤدي، أو يؤدي بعضها، على وجه التحديد، إلى منح البناء التركيبي للغة جمالاً، ويبعده عما من شأنه أن يسيء إلى فصاحته وسلاسته.

* أما الفصلُ الأخير، وهو أوسعُ الفصول، في هذه الدراسة، فقد تناولت فيه، على نحوٍ مُسْهَب، الفصاحةَ في التأليف؛ أي الفصاحة والبلاغة أيضاً، التي يمكن أن يتَّسم بهما الكلام. وقد جاءت مادة هذا الفصل موزعةً في مجالين، أو محورين اثنين هما :

- وضع الألفاظ موضعها في البناء التأليفي الكلِّي للغة.

- والتناسب بين الألفاظ في البناء اللغوي على مستوى الصيغة.

ولقد حاولت، في هذا الباب، بفصوله الثلاثة، أن ارتكز، في دراستي وتحليلي للقضايا البلاغية، على أسسٍ ومبادئَ استمدَدْتُها من مَعينِ علم الأصوات، وهو، دونما شك، معينٌ ثرٌّ، زوَّدني بالكثير من الأدوات والوسائل التي استطعت، من خلالها، الكَشْفَ عن عوامل الفصاحة والبلاغة والجمال في البنى العربية : مفردة، ومؤلفة، ومنظومة.

* ثم جاءت الخاتمة في نهاية المطاف، وفيها بيَّنْتُ أهمَّ النتائج التي توصلت إليها في هذه الدراسة، وهي نتائج يمكن القول إنها تتمحور حول الإمكانات الهائلة التي يمتلكها علم الأصوات في مجال البحث في البلاغة العربية، دَرْساً، وتحليلاً، وتفسيراً، ثم الكشف عن الطاقات الجمالية الكامنة في هذا الفرع من الدرس الأدبي من منظور لغوي.

وإنني أرجو الله العظيم، أن يكون ما قمت به من بحث وتنقيب، وما وصلت إليه من تحليل وتعليل، وما انتهيت إليه من نتائج وتوصيات، خالصاً لوجهه الكريم، وخادماً لهذه اللغة الشريفة، ونافعاً لأبنائها وعشّاقها من الدارسين والباحثين. والحمد لله أولاً، والشكر له على عونه دائماً.

النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق